أ : عبدالسلام جحاف
في ظلام التاريخ، حيث تُكتب قصص البطولات بمداد من دماء الشهداء، يبرز اسم الحسين بن علي كرمز للكرامة والحرية، يُعبر عن معاناة أمة، ويجسد روح المقاومة. وها هو ذا، عبر الزمان والمكان، يجسد الشجاعة والفداء في كل بقعة يُستشهد فيها الأحرار، ومن بينهم شهيد القدس، السيد حسن نصر الله، الذي أخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن الحق والمقدسات، مُجسدًا بذلك إرادة الأمة.
ما بين شهيد كربلاء وشهيد القدس، يمتد الفارق الزمني ليصل إلى أربعة عشر قرناً، لكن الحزن والفقد يبقيان عابرين للأزمنة. إنهما مثالان يحتذى بهما في زمن يغمره الألم والضياع. يأتينا الحسين من كربلاء ليُعلمنا أن الدم الذي يُسفك في سبيل الحق لا يذهب سدى، وأن التضحية من أجل القيم والمبادئ أسمى أنواع الفداء.
كلما تجددت ذكرى عاشوراء، ينبعث من القلوب حنينٌ يتفجر بدموع الآلام. نُستحضر صورة الفتاة زينب، وهي تودع أخاها الشهيد، وقلوبنا تتقطع عند مشهد من ضحى بكل شيء من أجل الحق. يتجسد ذلك الحزن في واقعنا المعاصر، حيث يُسفك دم الشهداء في فلسطين، وتتكرر المآسي نفسها.
أكتب إليك يا شهيد الأمة والانسانية ، نيابة عن المحرومين من شرف الوصال وشرف التشييع. أكتب إليك بقلبي المكسور، حيث لا تكفي الكلمات للتعبير عن آلام الفقد والضياع. فكل دمعة تنزل على وجنتي تحمل معها صرخات من فقدوا أحبتهم، من شهداء الأمس، شهداء اليوم، والأمل المفقود في غدٍ أفضل.
أجد نفسي محاصرًا بألم الفراق، كل لحظة تمضي تزداد أوجاعي، أشعر كأنني في حالة من الضياع، وكأنني عالق في حيرة الفراق. يثقلني الحزن الذي لا يفارقني، كيف يمكنني تجاوز هذا الألم وأنا غير قادر على توديعك؟ كيف يمكنني أن أُعبر عن وجعي وأنا أشعر بالعجز في مواجهة غيابك؟
يا ابن الطهارة، كم أفتقدك في هذه اللحظات الحالكة. لقد كنت الرمز الذي يُجسد العزة، وكنت العنوان لكل مقاومة ضد الظلم. كنت صوت الحق الذي يُهز في زوايا الظلم، وبفقدانك، فقدنا جزءًا عزيزًا من قلوبنا. كيف يمكن أن نعيش في عالم تخيم عليه ظلال الفقد؟ كيف يمكنني أن أستقبل العزاء وأنت بعيد عن عيني؟
نحن أيتام الأرض، نتجرع كأس المرارة يوميًا، نعيش في ظل غيابك، وغياب كل شهيد سطر التاريخ بدمه. فكيف لنا أن نتحمل هذه الأعباء ونحن نرى أعداء الإنسانية يمسكون بناصية العالم، ويضربون بعرض الحائط كل ما أوصتنا به الشهداء من قيم كرمى الفداء؟
لكن، تبقى ذكرى الشهداء تنير دروبنا، وتجعل من آلامنا وقودًا نستمد منه قوتنا لنواصل الطريق. في كل مرة نُحيي فيها ذكرى الحسين، نستحضر معه الشجاعة والعزة، ونُؤكد على أن دماء الشهداء لن تذهب هباءً. لن ننسى وصية الحسين: “هيهات منا الذلة”، وسنظل نُصر على الحق مهما كلفنا ذلك من ثمن.
أيها الشهيد، دعني أستمد من قوتك، من صبرك، من إيمانك، وأُعاهدك أنني سأبقى على العهد، سأظل أُحمل راية الحق التي سقيت بدمائك. سأكون صوتًا يُعبر عن المعاناة والألم، وسأظل أذكر اسمك في كل محفل، حتى يُخلد ذكرك في قلوب المحرومين.
فسلام عليك يا شهيد كربلاء، وسلام عليك يا شهيد القدس، في كل مرة تتجدد فيها آلامنا، نجدكم تضحكون فينا، تُحركون مشاعرنا، وتُذكروننا بأن الفقد لا يعني النهاية، بل هو بداية جديدة من الألم الذي يولد الأمل.
إلى كل محبي الشهادة، إلى كل من يتوق إلى الحرية، لنواصل المسير، ولنرفع راية الأمل، فكلما جاشت القلوب بالألم، كلما كنا أقرب إلى تحقيق الحلم.
#اناعلىالعهد